فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن التحقيق أن الخطاب في قوله: {إن كنت في شك} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به من يمكن أن يشك في ذلك من أمته.
وقد قدمنا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ} [الإسراء: 22] الآية. دلالة القرآن الصريحة على أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إليه الخطاب من الله، والمراد به التشريع لأمته، ولا يراد هو صلى الله عليه وسلم ألبتة بذلك الخطاب.
وقدمنا هناك أن من أصرح الآيات القرآنية في ذلك قوله تعالى: {وبالوالدين إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [الإسراء: 23] الآية، فالتحقيق أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد أمته لا هو نفسه، لأنه هو المشرع لهم بأمر الله.
وإيضاح ذلك أو معنى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر} أي إن يبلغ عندك الكبر يا نبي الله والداك أو أحدهما فلا تقل لهما أف.
ومعلوم أن أباه مات وهو حمل، وأمه ماتت وهو في صباه فلا يمكن أن يكون المراد: إن يبلغ الكبر عندك هما أو أحدهما والواقع أنهما قد ماتا قبل ذلك بأزمان.
وبذلك يتحقق أن المراد بالخطاب من غيره من أمته الذي يمكن إدراك والديه أو أحدهما الكبر عنده.
وقد قدمنا أن مثل هذا أسلوب عربي معروف وأوردنا شاهدًا لذلك رجز سهل بن مالك الفزاري في قوله:
يا أخت خير البدو والحضاره ** كيف ترين في فتى فزاره

أصبح يهوى حرة معطاره ** إياك أعني واسمعي يا جاره

وقد بسطنا القصة هناك، وبينا أن قول من قال: إن الخطاب في قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} [الإسراء: 23] الآية: لكل من يصح خطابه من أمته، صلى الله عليه وسلم لا له هو نفسه، باطل بدليل قوله تعالى: بعده في سياق الآيات: {ذَلِكَ مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة} [الإسراء: 39] الآية.
والحاصل أن آية: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} [يونس: 94] الية. لا ينقص بها الضابط الذي ذكرنا لأنها كقوله: {لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ} [الإسراء: 22] {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [البقرة: 147] {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 48] {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أنه هو صلى الله عليه وسلم، لا يفعل شيئًا من ذلك ألبتة، ولكنه يؤمر وينهي ليشرع لأمته على لسانه.
وبذلك تعلم اطراد الضابط الذي ذكرنا في لفظة لو، ولفظة إن، وأنه لا ينتقض بهذه الآية.
هذا ما ظهر لنا في هذه الآية الكريمة، ولا شك أنه لا محذور فيه ولا غرر ولا إيهام، والعلم عند الله تعالى.
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3] الآية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}.
لما جرى ذكر الذين ظلموا بادعاء بنوة الملائكة في قوله: {فويلٌ للذين ظلموا من عذاب يوممٍ أليمٍ} [الزخرف: 65] عَقِب قوله: {ولما ضُرب ابن مريم مثلًا} [الزخرف: 57]، وعَقِب قوله قبله {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثًا} [الزخرف: 19].
وأعقب بما ينتظرهم من أهوال القيامة وما أُعد للذين انخلعوا عن الإشراك بالإيمان، أمر الله رسوله أن ينتقل من مقام التحذير والتهديد إلى مقام الاحتجاج على انتفاء أن يكون لله ولَد، جمعًا بين الرد على بعض المشركين الذين عبدوا الملائكة، والذين زعموا أن بعض أصنامهم بنات الله مثل اللاتتِ والعُزَّى، فأمره بقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} أي قل لهم جدَلا وإفحامًا، ولقَّنه كلامًا يدل على أنه ما كان يعزب عنه أن الله ليس له ولد ولا يخطر بباله أن لله ابنًا.
والذين يقول لهم هذا المقول هم المشركون الزاعمون ذلك فهذا غرض الآية على الإجمال لأنها افتتحت بقوله: {قل إن كان للرحمن ولد} مع علم السامعين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يروج عنده ذلك.
ونظم الآية دقيق ومُعضِل، وتحته معانٍ جمّة:
وأولُها وأوْلاها: أنه لو يَعلم أن لله أبناءَ لكان أول من يعبدهم، أي أحق منكم بأن أعبدهم، أي لأنه ليس أقل فهمًا من أن يعلم شيئًا ابنًا لله ولا يعترف لذلك بالإلهية لأن ابن الله يكون منسلًا من ذات إلهية فلا يكون إلا إلها وأنا أعلم أن الإله يستحق العبادة، فالدليل مركب من مُلاَزَمةٍ شرطية، والشرط فرضيٌّ، والملازمة بين الجواب والشرط مبنية على أن المتكلم عاقل داععٍ إلى الحق والنجاة فلا يرضى لنفسه ما يورطه، وأيضًا لا يرضى لهم إلا ما رضيه لنفسه، وهذا منتهى النصح لهم، وبه يتمّ الاستدلال ويفيد أنه ثابت القدم في توحيد الإله.
ونُفي التعدد بنفي أخص أحوال التعدد وهو التعدد بالأبوة والبنوة كتعدد العائلة، وهو أصل التعدد فينتفي أيضًا تعدد الآلهة الأجانب بدلالة الفحوى.
ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج.
وقد قال له الحجاج حين أراد أن يقتله: لأُبَدِّلَنَّك بالدنيا نارًا تَلظّى فقال سعيد: لو عرفتُ أن ذلك إليك ما عبدتُ إلها غيرك، فنبهه إلى خطئه بأن إدخال النار من خصائص الله تعالى.
والحاصل أن هذا الاستدلال مركب من قضية شرطية أول جُزْأيْها وهو المقدم باطل، وثانيهما وهو التالي باطل أيضًا، لأن بطلان التالي لازم لبطلان المقّدم، كقولك: إن كانت الخمسة زوجًا فهي منقسمة بمتساويين، والاستدلال هنا ببطلان التالي على بطلان المقدم لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم عابدًا لمزعوم بنوتُه لله أمرٌ منتففٍ بالمشاهدة فإنه لم يزل ناهيًا إياهم عن ذلك.
وهذا على وزان الاستدلال في قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا}.
[الأنبياء: 22]، إلا أن تلك جعل شرطها بأداة صريحة في الامتناع، وهذه جعل شرطها بأداة غير صريحة في الامتناع.
والنكتة في العدول عن الأداة الصريحة في الامتناع هنا إيهامُهم في بادىء الأمر أن فرضَ الولد لله محل نظرٍ، وليتأتى أن يكون نظم الكلام موجهًا حتى إذا تأملوه وجدوه ينفي أن يكون لله ولد بطريق المذهب الكلامي.
ويدل لهذا ما رواه في (الكشاف) أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال: إن الملائكة بنات الله فنزل قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}.
فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدَّقني، فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدَّقك ولكن قال: ما كان للرحمان ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة.
ورُوي مجمل هذا المعنى عن السدّي فكان في نظم الآية على هذا النظم إيجاز بديع، وإطماع للخصوم بما إن تأملوه استبان وجه الحق فإن أعرضوا بعد ذلك عُد إعراضهم نكوصًا.
وتحتمل الآية وجوهًا أخر من المعاني.
منها: أن يكون المعنى إن كان للرحمان ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله، أي فأنا أول المؤمنين بتكذيبكم، قاله مجاهد، أي بقرينة تذييله بجملة {سبحان رب السموات والأرض} الآية.
ومنها، أن يكون حرف {إنْ} للنفي دون الشرط، والمعنى: ما كان للرحمان ولد فتفرع عليه: أنا أول العابدين لله، أي أتنزه عن إثبات الشريك له، وهذا عن ابن عباس وَقتادة وزيد بن أسلم وابنه.
ومنها: تأويل {العابدين} أنه اسم فاعل من عبد يعبَد من باب فرح، أي أنف وغضب، قاله الكسائي، وطعن فيه نفطويه بأنه إنما يقال في اسم فاعل عبد يَعْبَدُ عَبِد وقلما يقولون: عَابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللّغة.
وقرأ الجمهور {ولد} بفتح الواو وفتح اللام.
وقرأه حمزة والكسائي {وُلْد} بضم الواو وسكون اللام جمع ولَد.
وجملة {سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون}، يجوز أن تكون تكملة لما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله، أي قل: إن كان للرحمن ولد على الفرض، والتقدير: مع تنزيه عن تحقق ذلك في نفس الأمر.
فيَكون لهذه الجملة حكم التالي في جزأي القياس الشرطي الاستثنائي.
وليس في ضمير {يصفون} التفات لأن تقدير الكلام: قل لهم إن كان للرحمن ولد.
ويجوز أن تكون كلامًا مستأنفًا من جانب الله تعالى لإنشاء تنزيهه عما يقولون فتكون معترضة بين جملة {قل إن كان للرحمن ولد} وجملة {وهو الذي في السماء إله} [الزخرف: 84].
ولهذه الجملة معنى التذييل لأنها نزهت الله عن جميع ما يصفونه به من نسبَة الولد وغير ذلك.
ووصفه بربوبيةِ أقوى الموجودات وأعمها وأعظمها، لأنه يفيد انتفاء أن يكون له ولد لانتفاء فائدة الولادة، فقد تم خلق العوالم ونظام نمائها ودوامها، وعلم من كونه خالقها أنه غير مسبوق بعدم وإلا لاحتاج إلى خالق يخلُقه، واقتضى عدمُ السبق بعدم أنه لا يلحقه فناء فوجود الولد له يكون عبثًا.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)}.
اعتراض بِتَفْرِيععٍ عَن تنزيه الله عما ينسبونه إليه من الولد والشركاء، وهذا تأييس من إجداء الحجة فيهم وأن الأوْلى به متاركتهم في ضلالهم إلى أن يحِين يومٌ يلقون فيه العذاب الموعود.
وهذا متحقق في أئمة الكفر الذين ماتوا عليه، وهم الذين كانوا متصدين لمحاجّة النبي صلى الله عليه وسلم ومجادلته والتشغيب عليه مثل أبي جهل وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة والوليد بن المغيرة والنضر بن عبد الدار ممن قُتلوا يوم بدر.
و(اليومَ) هنا محتمل ليوم بدر وليوم القيامة وكلاهما قد وُعدوه، والوعد هنا بمعنى الوعيد كما دل عليه السياق.
والخَوْض حقيقته: الدخول في لُجّة الماء ماشيًا، ويطلق مجازًا على كثرة الحديث، والأخبار والاقتصار على الاشتغال بها، وتقدم في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} في سورة الأنعام (68).
والمعنى: فأعرض عنهم في حال خَوضهم في الأحاديث ولَعِبهم في مواقع الجد حين يهزأوون بالإسلام.
واللعب: المزح والهزل.
وجُزم فعل {يخوضوا ويلعبوا} بلام الأمر محذوفة وهو أولى من جعله جزمًا في جواب الأمر، وقد تكرر مثله في القرآن فالأمر هنا مستعمل في التهديد من قبيل {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40].
وقرأ الجمهور {يلاقوا} بضم الياء وبألف بعد اللام، وصيغة المفاعلة مجاز في أنه لقاء مُحقق.
وقرأه أبو جعفر {يَلْقوا} بفتح الياء وسكون اللام على أنه مضارع المُجرد. اهـ.

.تفسير الآيات (84- 89):

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نزهه سبحانه عن الولد ودل على ذلك بأنه مالك كل شيء وملكه، وكان ذلك غير ملازم للألوهية، دل على أنه مع ذلك هو الإله لا غيره في الكونين بدليل بديهي يشترك في علمه الناس كلهم، وقدم السماء ليكون أصلًا في ذلك يتبع لأن الأرض تبع لها في غالب الأمور، فقال دالًا على أن نسبة الوجود كله إليه على حد سواء لأنه منزه عن الاحتياج إلى مكان أو زمان عاطفًا على ما تقديره: تنزه عما نسبوه إليه الذي هو معنى {سبحان}: {وهو الذي} هو {في السماء إله} أي معبود لا يشرك به شيء {وفي الأرض إله} توجه الرغباب إليه في جميع الأحوال، ويخلص له في جميع أوقات الأضطرار، فقد وقع الإجماع من جميع من في السماء والأرض على إلهيته فثبت استحقاقه لهذه الرتبة وثبت اختصاصه باستحقاقها في الشدائد فباقي الأوقات كذلك من غير فرق لأنه لا مشارك له في مثل هذا الاستحقاق، فعبادة غيره باطلة، قال في القاموس: أله- أي بالفتح- إلاهة وألوهة وألوهية: عبد عبادة، ومنه: لفظ الجلالة- وأصله: إله بمعنى معبود وكل ما اتخذ معبودًا فهو إله عند متخذه، وأله كفرح: تحير، فقد علم من هذا جواز تعلق الجار بإله.
ولما كان الإله لا يصلح للألوهية إلا إذا كان يضع الأشياء في محلها بحيث لا يتطرق إليه فساد، ولا يضرها إفساد مفسد، وكان لا يكون كذلك إلا بالغ العلم قال: {وهو الحكيم} أي البليغ الحكمة، وهي العلم الذي لأجله وجب الحكم من قوام من أمر المحكوم عليه في عاجلته وآجلته، ولما كانت الحكمة العلم بما لأجله وجب الحكم قال تعالى: {العليم} أي البالغ في علمه إلى حد لا يدخل في عقل العقلاء أكثر من وصفه به على طريق المبالغة ولو وسعوا أفكارهم وأطالوا أنظارهم لأنه ليس كمثله شيء في ذاته ولا صفة من صفاته ليقاس به، وكل من ادعى فيه أنه شريك له لا يقدر من أشرك به أن يدعي له ما وصف به من الإجماع على ألوهيته ومن كمال علمه وحكمه، فثبت قطعًا ببطلان الشركة بوجه يفهمه كل أحد، فلا خلاص حينئذ إن خالف كائنًا من كان، وإذا قد صح أنه الإله وحده وأنه منزه عن شريك وولد وكل شائبة نقص كان بحيث لا يخاف وعيده، فلا يخوض ولا يعلب عبده، ومن خاض منهم أو لعب فلا يلومن إلا نفسه، فإن عمله محفوظ بعلمه فهو مجاز عليه بحكمته.
ولما نزه ذاته الأقدس وأثبت لنفسه استحقاق الإلهية بالإجماع من خلقه بما ركزه في فطرهم وهداهم إليه بعقولهم، أتبع ذلك أدلة أخرى بإثبات كل كمال بما تسعه العقول وبما لا تسعه مصرحًا بالملك فقال: {وتبارك} أي ثبت ثباتًا لا يشبهه ثبات لأنه لا زوال مع التيمن والبركة وكل كمال، فلا تشبيه له حتى يدعي أنه ولد له أو شريك، ثم وصفه بما يبين تباركه واختصاصه بالإلهية فقال: {الذي له ملك السماوات} أي كلها {والأرض} كذلك {وما بينهما} وبين كل اثنين منها، والدليل على هذا الإجماع القائم على توحيده عند الاضطرار.
لما ثبت اختصاصه بالملك وكان الملك لا يكون إلا عالمًا بملكه وكان ربما ادعى مدع وتكذب معاند في الملك أو العلم، قطع الأطماع بقوله: {وعنده} أي وحده {علم الساعة} سائقًا له مساق ما هو معلوم الكون، لا مجال للخلاف فيه إشارة إلى ما عليها من الأدلة القطعية المركوزة في الفطرة الأولى فكيف يما يؤدي إليه الفكر من الذكر المنبه عليه السمع، ولأن من ثبت اختصاصه بالملك وجب قبول أخباره لذاته، وخوفًا من سطواته، ورجاء في بركاته {وإليه} أي وحده لا إلى غيره بعد قيام الساعة {ترجعون} بأيسر أمر تحقيقًا لملكه وقطعًا للنزاع في وحدانيته، وقراءة الجماعة وهم من عدا ابن كثير وحمزة والكسائي وورش عن يعقوب بالخطاب أشد تهديدًا من قراءة الباقين بالغيب، وأدل على تناهي الغضب على من لا يقبل إليه بالمتاب بعد رفع كل ما يمكن أن يتسبب عنه ارتياب.